سنوات الانتظار .. رسالة من بريد الجمعة عام 2002
ومنذ عامين ونصف العام تعرفت ـ وبدون أية ترتيبات مسبقة ـ على مهندس حاصل على
الدكتوراه يبلغ من العمر35 عاما, والده مهندس شهير ووالدته مثال للأم
الرائعة, وقد بذلا أقصى جهدهما لتربيته أفضل تربية حتى أصبح يتميز بشخصية سوية
لم أكن أتوقع وجودها على وجه الأرض, ولربما تظن أنني أقول ذلك لأنني أحبه ولكن
هذه هي الحقيقة, لقد توافقنا نفسيا وعقلانيا واجتماعيا إلى درجة لم أكن
أتخيلها.
والمشكلة تكمن في أنني مطلقة وهو لم يتزوج من قبل, وهو يحاول منذ نحو عامين أن
يقنع والديه بي دون فائدة, فهما مقتنعان تمام الاقتناع أن أي مطلقة لابد أن تكون
هي المخطئة وأن طلاقي سوف يؤثر عليه نفسيا فيما بعد, ولقد ناقشنا معا التأثير
النفسي عليه ودرسناه جيدا قبل أن يعرض الزواج علي, وقال لي إنه لم يفعل ذلك إلا
بعد أن تأكد من أنه قد تخطى معي جميع المؤثرات النفسية المحتملة لزواجه من
مطلقة.
وهو كغيره من الأبناء البارين بذويهم لن يقبل ـ كما لن أقبل أنا أيضا ـ الإقدام
على شيء دون الموافقة التامة ومباركة الزواج من والديه وأهلي, لكن الإصرار على
الرفض يزيد يوما بعد يوم ومازلنا ننتظر رضاء الأهل وقبولهم منذ عامين فإلي متى
يطول الانتظار؟ والآن اسمح لي أن أطرح عليك وعلى قرائك الأعزاء بعض الأسئلة:
ـ هل نقبل بأن
يتزوج كل منا بشخص آخر بلا أي تفاهم أو مشاعر أو بلا حياة, كما هو حال كثير من
زيجات اليوم؟
ـ هل لأنني مطلقة لا يكون لي الحق في الإحساس بالحب؟ وهل من الطبيعي لو أحسست به
أن أنكره لمجرد أنني مطلقة؟
ـ وهل سيكون هذا قرارهم لو كانت ابنتهم في مكاني؟
ـ هل تتساوى من طلقت لأسباب جوهرية كمن طلقت لأسباب واهية؟
لقد فرض المجتمع للأسف صورة سيئة للمرأة المطلقة, ناسيا أو متناسيا أنها قد تكون
أخته أو والدته أو ابنته وتصور أنها تمثل دائما محور الشر ومثال الانحراف الأخلاقي
اعتقادا بأن السيدة المطلقة سهلة المنال وتتسم بأسوأ الصفات والطباع!
وكل ما أطلبه هو ألا يحرم البشر ما أحله الله ورسوله, وأن ينظروا إلى الموضوع
نظرة أكثر حكمة وموضوعية.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
فشل الإنسان في حياة زوجية سابقة ليس وصمة عار يدفع بها ويحاسب عليها.. أو تخصم من جدارته وأحقيته في السعادة والأمان.والمنصفون من البشر لا يحرمون ما أحله الله لمثل هذه الاعتبارات والاعتقادات الخاطئة.. وإنما يحكمون على الأشخاص بسجلهم الأخلاقي مع الحياة والتزامهم بمبادئهم وقيمهم الدينية وباعتبارات الكفاءة وحسن العشرة وطيب السمعة.
ولقد بني الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه ومعظم الصحابة الأكرمين بمطلقات وأرامل.. ولم يتوقفوا أمام مثل هذه الاعتبارات.. ولم يقل قائلهم أن المطلقة ليست أهلا للوفاء والحفاوة والاحترام. غير إن الآباء والأمهات يطلبون دائما لأبنائهم ما يعتقدون أنه الأفضل والأرفع لهم.. ولا لوم عليهم في ذلك, لكنه إذا انعقدت إرادة الأبناء الراشدين علي أن يختاروا لأنفسهم ما يرون فيه سعادتهم, فليس للآباء والأمهات عليهم إلا حق النصيحة.. والرحمة تطالبهم بألا يحجبوا عنهم موافقتهم على اختياراتهم في الحياة إذا لمسوا إصرارهم عليها واستمساكهم بها إلى مالا نهاية, وأحق الأبناء أن يتنازل لهم الآباء والأمهات عن مواقفهم المتصلبة تجاههم, هم هؤلاء الذين يمنعهم برهم من الخروج على طاعتهم.. ولو تكبدوا عناء الصبر على مطالبهم إلى أن يترفق بهم الآباء والأمهات ويأذنوا لهم بما أرادوا.
· نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 2002
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر