سنوات الانتظار .. رسالة من بريد الجمعة عام 2002

سنوات الانتظار .. رسالة من بريد الجمعة عام 2002 

سنوات الانتظار .. رسالة من بريد الجمعة عام 2002

 أنا سيدة شابة عمري‏ 30‏ سنة جميلة وناجحة في عملي كمديرة في أحد البنوك الشهيرة‏,‏ ومستواي المادي والاجتماعي والثقافي مرتفع‏,‏ وحاصلة على درجة الماجستير من إحدى الجامعات بالخارج‏,‏ ومتدينة والحمد لله‏,‏ ومتواضعة وأتقي الله في تعاملي مع الناس أيا كان مستواهم‏,‏ وأبي وأمي طبيبان يتمتعان بالسمعة الطيبة والمركز المرموق‏,‏ وعلى الرغم من نجاحي في العمل فأنا والحمد لله أعي جيدا أن المرأة مهما وصلت لأقصى درجات النجاح فإنه لن تكون لها قيمة حقيقية دون حياة عائلية ناجحة ومحترمة‏,‏ ومع ذلك فإني للأسف الشديد مطلقة‏.‏ وزواجي لم يستمر أكثر من عامين ولم نرزق خلالهما بأبناء‏,‏ ولم يكن طلاقي لأسباب تافهة كما قد يحدث هذه الأيام‏,‏ إذ إنني بحكم تديني أعرف جيدا حقوق الزوج وواجبات الزوجة تجاه زوجها من قراءاتي العديدة للكتب الدينية‏,‏ ومع ذلك فقد تم طلاقي على الرغم من محاولاتي المتعددة للحفاظ على البيت بسبب إدمان زوجي السابق للنساء ومغامراته مع عدد لا بأس به من بنات الهوى‏,‏ فضلا عن ضربه المستمر لي بسبب الشك الذي لا أساس له نتيجة لأفعاله‏,‏ وهذا أقل بلاء من الله له ولأمثاله من غير الأسوياء من البشر‏.‏

ومنذ عامين ونصف العام تعرفت ـ وبدون أية ترتيبات مسبقة ـ على مهندس حاصل على الدكتوراه يبلغ من العمر‏35‏ عاما‏,‏ والده مهندس شهير ووالدته مثال للأم الرائعة‏,‏ وقد بذلا أقصى جهدهما لتربيته أفضل تربية حتى أصبح يتميز بشخصية سوية لم أكن أتوقع وجودها على وجه الأرض‏,‏ ولربما تظن أنني أقول ذلك لأنني أحبه ولكن هذه هي الحقيقة‏,‏ لقد توافقنا نفسيا وعقلانيا واجتماعيا إلى درجة لم أكن أتخيلها‏.‏

والمشكلة تكمن في أنني مطلقة وهو لم يتزوج من قبل‏,‏ وهو يحاول منذ نحو عامين أن يقنع والديه بي دون فائدة‏,‏ فهما مقتنعان تمام الاقتناع أن أي مطلقة لابد أن تكون هي المخطئة وأن طلاقي سوف يؤثر عليه نفسيا فيما بعد‏,‏ ولقد ناقشنا معا التأثير النفسي عليه ودرسناه جيدا قبل أن يعرض الزواج علي‏,‏ وقال لي إنه لم يفعل ذلك إلا بعد أن تأكد من أنه قد تخطى معي جميع المؤثرات النفسية المحتملة لزواجه من مطلقة‏.‏
وهو كغيره من الأبناء البارين بذويهم لن يقبل ـ كما لن أقبل أنا أيضا ـ الإقدام على شيء دون الموافقة التامة ومباركة الزواج من والديه وأهلي‏,‏ لكن الإصرار على الرفض يزيد يوما بعد يوم ومازلنا ننتظر رضاء الأهل وقبولهم منذ عامين فإلي متى يطول الانتظار؟ والآن اسمح لي أن أطرح عليك وعلى قرائك الأعزاء بعض الأسئلة‏:‏

‏ـ هل نقبل بأن يتزوج كل منا بشخص آخر بلا أي تفاهم أو مشاعر أو بلا حياة‏,‏ كما هو حال كثير من زيجات اليوم؟
ـ هل لأنني مطلقة لا يكون لي الحق في الإحساس بالحب؟ وهل من الطبيعي لو أحسست به أن أنكره لمجرد أنني مطلقة؟
ـ وهل سيكون هذا قرارهم لو كانت ابنتهم في مكاني؟
ـ هل تتساوى من طلقت لأسباب جوهرية كمن طلقت لأسباب واهية؟

لقد فرض المجتمع للأسف صورة سيئة للمرأة المطلقة‏,‏ ناسيا أو متناسيا أنها قد تكون أخته أو والدته أو ابنته وتصور أنها تمثل دائما محور الشر ومثال الانحراف الأخلاقي اعتقادا بأن السيدة المطلقة سهلة المنال وتتسم بأسوأ الصفات والطباع‏!‏
وكل ما أطلبه هو ألا يحرم البشر ما أحله الله ورسوله‏,‏ وأن ينظروا إلى الموضوع نظرة أكثر حكمة وموضوعية‏.‏

ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏

فشل الإنسان في حياة زوجية سابقة ليس وصمة عار يدفع بها ويحاسب عليها‏..‏ أو تخصم من جدارته وأحقيته في السعادة والأمان‏.‏
والمنصفون من البشر لا يحرمون ما أحله الله لمثل هذه الاعتبارات والاعتقادات الخاطئة‏..‏ وإنما يحكمون على الأشخاص بسجلهم الأخلاقي مع الحياة والتزامهم بمبادئهم وقيمهم الدينية وباعتبارات الكفاءة وحسن العشرة وطيب السمعة‏.‏
ولقد بني الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه ومعظم الصحابة الأكرمين بمطلقات وأرامل‏..‏ ولم يتوقفوا أمام مثل هذه الاعتبارات‏..‏ ولم يقل قائلهم أن المطلقة ليست أهلا للوفاء والحفاوة والاحترام‏.‏ غير إن الآباء والأمهات يطلبون دائما لأبنائهم ما يعتقدون أنه الأفضل والأرفع لهم‏..‏ ولا لوم عليهم في ذلك‏,‏ لكنه إذا انعقدت إرادة الأبناء الراشدين علي أن يختاروا لأنفسهم ما يرون فيه سعادتهم‏,‏ فليس للآباء والأمهات عليهم إلا حق النصيحة‏..‏ والرحمة تطالبهم بألا يحجبوا عنهم موافقتهم على اختياراتهم في الحياة إذا لمسوا إصرارهم عليها واستمساكهم بها إلى مالا نهاية‏,‏ وأحق الأبناء أن يتنازل لهم الآباء والأمهات عن مواقفهم المتصلبة تجاههم‏,‏ هم هؤلاء الذين يمنعهم برهم من الخروج على طاعتهم‏..‏ ولو تكبدوا عناء الصبر على مطالبهم إلى أن يترفق بهم الآباء والأمهات ويأذنوا لهم بما أرادوا‏.‏

·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 2002

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي 


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات