الشئ الجذاب .. رسالة من بريد الجمعة عام 1994

الشئ الجذاب ..  رسالة من بريد الجمعة عام 1994 كتاب مكتوب على الجبين

 الشئ الجذاب ..  رسالة من بريد الجمعة عام 1994

المواقف الصارمة المتحجرة حتى ولو كانت صحيحة ومبدئية فإنها قد لا تكون في بعض الأحيان هي المواقف  الحكيمة التي تكفل للإنسان وأعزائه سعادتهم .. أو تدفع عنهم الضرر الأكبر.
عبد الوهاب مطاوع
بريد الجمعة

 

دفعني للكتابة إليك ما قرأته في رسائل بريد الجمعة من قصص وتجارب فجّرت ذكريات الماضي في حياتي فخرجت من قوقعتي لأروي لك أنا أيضًا قصتي .

أنا سيدة متوسطة العمر نشأت في أسرة مكونة من أبي الطبيب رحمه الله وأمي الرزينة الصبورة وأختي التي تكبرني وفي نهاية المرحلة الجامعية تقدم لأختي طبيب شاب وتم زفافها إليه عقب التخرج مباشرة  وبعدها بعام .. وكنت أزال في بداية دراستي الجامعية، تقدم لي أيضًا شاب وسيم ترشحه مؤهلاته لمستقبل عريض ، فأصر أبي على ألا يتجاوز الارتباط قراءة الفاتحة حتى لا أتوقف عن دراستي ، وبعد شهور قليلة تلقى خطيبي منحة دراسية في الولايات المتحدة الأمريكية لمدة أربع سنوات ورغب في إتمام الزواج بإصرار لكي يصطحبني معه ووعد أبي ألا يقف في طريق دراستي هناك إذا رغبت في ذلك فوافق أبي على هذا الشرط وتزوجنا وسافرنا إلى أمريكا والآمال المشرقة تتراقص أمامي .. ووجدت زوجي إنسانًا محبًا متفهمًا لطيفًا فاقتربت منه وأحببته حبًا ملك عليّ كل مشاعري وكياني وحمدت الله كثيرًا الذي وفقني إلى زوج له هذه الصفات الطيبة الحميدة لكني اكتشفت فيه بعد فترة من الزواج عيبًا بدأ يؤرقني ويعكر عليّ صفو حياته معي ، فلقد كان ينزعج بشدة لأناقتي وحُسن مظهري وهندامي ويثور على ذوقي في اختيار ملابسي مهما كانت محتشمة وبسيطة وسألته في لحظة صفاء عن سر اعتراضه الدائم على مظهري وملابسي وزينتي برغم التزامي بالاحتشام وبالحد الأدنى للمظهر اللائق بعروس جديدة مثلي فأجابني بصراحة بأن فيّ شيئًا جذابًا يخشى أن يجذب إليّ الآخرين وأن هذا الشيء الجذاب هو الذي دفعه لأن يعجل بعقد قراننا حتى لا يعطي الفرصة لأحد لأن ينجذب إليّ وتناقشت معه حول هذا الأمر طويلاً فلم يقتنع بمنطقي ولم أقتنع بمنطقه لكنه حرصًا مني على عدم إغضابه راعيت دائمًا البساطة في مظهري وقللت من زينتي إلا من لمسة طفيفة تحدد ملامحي .

 

ولم يكتف زوجي بذلك بل راح يضيق عليّ في الخروج مع صديقاتي لقضاء بعض طلبات الشراء أو الالتقاء بهن من حين لآخر فأطعته واستجبت لكل رغباته ومضت خمس سنوات وأوشكت دراسته على الانتهاء ، وكنت قد أجّلت خلالها دراستي لانشغالي به وببيتي وبالطفلين الجميلين اللذين رزقنا بهما الله في غربتنا فمضت حياتنا هادئة وجميلة وكنا نزور الأهل في مصر مرة أومرتين كل عام وعدنا إلى مقر عمل زوجي في أمريكا ذات يوم بعد إجازة من هذا النوع فوجدنا في صندوق البريد دعوة لزوجي لحضور مؤتمر طبي يسبقه حفل تعارف للأطباء وزوجاتهم مع دعوة لزوجي لإلقاء كلمة الافتتاح في المؤتمر وفي اليوم المحدد توعك ابني الأكبر فاعتذرت لزوجي عن مصاحبته إلى الحفل والمؤتمر ومكثت بالبيت لرعايته ، وذهب زوجي وحده ، وفي صباح اليوم التالي استيقظت من نومي فوجدت زوجي مستلقيًا بملابسه على أرض غرفة المكتب ويبدو عليه الإرهاق والتعب ودهشت للمنظر غير المألوف وأيقظته ليخلع ملابسه ويستريح في غرفة النوم وفسّر هو لي هذا التصرف الغريب بأنه قد عاد متأخرًا ليلة أمس ولم يشأ إزعاجي بدخول الفراش حتى لا أستيقظ ولم يقتنع عقلي بهذا التفسير المريب ..

 

وبدأت ألاحظه باهتمام بعد ذلك فلاحظت تغييرًا كبيرًا في تصرفاته خلال الأيام التالية فقد أصبح شارد الذهن قليل الكلام ضعيف التركيز ، كما كثر خروجه منفردًا في المساء وبأعذار مختلفة واستمر زوجي على هذا الحال بضعة شهور فاتحته خلالها بما لاحظته عليه من تغيرات وأجابني بأنها بعض المشكلات في العمل وسوف تنتهي قريبًا ، وازدادت حيرتي وقلقي وبإحساس المرأة شعرت بأن هناك شيئًا أكبر من مشاغل العمل ومشكلاته . ولم تطل حيرتي كثيرًا فقد كنت أُعد بعض ملابسه لإرسالها إلى التنظيف فوجدت في إحدى بدله بطاقة صغيرة باسم سيدة وعنوان عملها ورقم تليفونها وأجريت بعض التحريات فعلمت أنها تعمل في شركة متخصصة في ترتيب الحفلات والمؤتمرات .. كما علمت أنها كانت السيدة المكلفة بإعداد المؤتمر الذي تغير حال زوجي بعده إلى النقيض .

 

وقررت أن أتحقق من ظنوني قبل أن أظلم زوجي وتربصت له ذات مساء وهو يهم بالخروج فتعللت بالخروج لشراء بعض مستلزمات البيت وخرجت قبله بعدة دقائق واختبأت داخل سيارتي الصغيرة وانتظرته حتى خرج وركب سيارته وتعقبته بحرص وأنا أرتجف خوفًا من أن أكتشف ما يسوؤني فإذا به يتوقف بسيارته أمام بيت جميل وتفتح له سيدة  الباب ثم يدخل ويغلق الباب وراءه وعدت إلى بيتي خائرة القوى وقد أظلمت الدنيا في وجهي .. ولم أفاتح زوجي بما رأيت وإنما تولتني رغبة شديدة في أن أرى هذه السيدة عن قرب لكي أعرف أو أكتشف سر انجذاب زوجي إليها وخيانته لعهدي معه فذهبت إلى هذه السيدة في مقر عملها واختلقت قصة حفل صغير أريد إقامته وتأملتها بعمق طويلاً فوجدتها امرأة على قدر كبير من الجمال وجذابة ورشيقة وشديدة الاهتمام بهندامها لكني مع ذلك لم أشعر بالغيرة منها بل على العكس أحسست بسكينة غريبة تنزل على روحي بعد أن رأيتها ؛ إذ لم أجد فيها ما يميزها عني في شيء اللهم إلا ملامحها الغربية إذا كانت هذه ميزة .

 

ومضى على هذا الحدث أسبوع ولم أوجه خلالها لزوجي كلمة واحدة وتفرغت لأداء دوري كأم لأولادي فقط ولم يخف على زوجي تغيري معه ، ونفوري منه ، وسألني عن السبب فصارحته به ، وطلبت منه الطلاق لأن علاقتي به كزوجة لن ترجع أبدًا إلى ما كانت عليه قبل الخيانة إذ إنني لا أعترف بالعلاقة الوسط في هذه الأمور ولا أقبلها فإما إخلاص والتزام في كل شيء .. وإما انفصال ، فبهت زوجي وطلب مني أن أصفح عنه وألا أتسرع في قراري حرصًا على مصلحة أولادي وسوف يقطع علاقته بهذه السيدة فورًا فصارحته بأنني كنت على استعداد لأن أغفر له ما فعل له لو كان بي شيء يعيبني في نظره كزوجة أو يفتقده لديّ ويجده في هذه السيدة ، وسوف أتقبل نقده لي بصدر رحب ، فأجابني بأنه ليس هناك رجل لم تنزلق قدمه إلى الخطأ مرة وقد أخطأت وأعتذر عن خطأي فثرت عليه لأول مرة في حياتنا وقلت له إن هناك نساء خاطئات أيضًا فهل كان سيصفح عني ويسامحني لو كنت قد أخطأت – أنا التي كان يخشى عليها في بداية زواجنا من الشيء الجذاب الذي يجذب الرجال إليها – وجُنّ جنونه وصممت على الطلاق .. ورفض هو طالبًا فرصة أخرى ومضت بضعة شهور قطع خلالها علاقته بهذه السيدة وصنع كل ما في وسعه لاسترضائي فراجعت نفسي بعد أن هدأت بعض الشيء وقررت أن أعطي نفسي وأعطيه فرصة للإصلاح حرصًا على أبنائي لكني للأسف لم أستطع الاستجابة له أو الاطمئنان إليه .

 

 فقد فقدت ثقتي فيه واحترامي له وأصبحت كلما خرج إلى عمل أتشكك في خروجه وإذا تحدث في التليفون ساورتني الهواجس كما أصبحت أنفر من كلامه الذي كنت لا أملّ سماعه أبدًا ولم يعد أي شيء من ناحيته يرضيني أو يستميلني أو يحرك عواطفه تجاهه .. وبعد أن يئست تمامًا من أن أستعيد حياتي الطبيعية معه تم الطلاق وكان مبرري له أنها لو كانت نزوة عابرة في موقف معين .. أو كان بي عيب قد دفعه للنظر إلى غيري لربما سامحته على ما فعل أما أن تكون الخديعة طويلة ومستمرة حتى أكتشفها قدرًا فهذا ما لم يستطع قلبي أن يغفره له أبدًا ، وغادر زوجي البيت ولم أشعر بأي ندم على القرار الذي اتخذته لكن الألم كان يعتصر قلبي فقط لافتراق الولدين عن أبيهما وبرغم ذلك فقد فضلت هذا الوضع بما فيه من الألم على أن أعيش مع رجل قد غدر بي وأخشى أن أفقد احترامي له أمام أبنائه ، وعكفت على تربية الولدين وقمت بعمل دراسة متخصصة ثم نزلت إلى ميدان العمل إثباتًا لذاتي ووجودي ولم ييأس زوجي من الأمل في استعادتي فتعدد الوسطاء بيني وبينه وازداد تمسكه بي حين تأكد أني لم أفصح عن سبب طلاقنا لكل من سعى بالصلح بيننا حرصًا على صورته أمام أبنائي .. لكني برغم ذلك لم أستجب لهذه المحاولات ومضت السنوات وأنا أعيش مع الولدين وقد ملآ عليّ حياتي بشئونهما ودراستهما وحكاياتهما التي لا تنتهي .

 

ثم جاء موعد التحاق ابني الأكبر بالجامعة في مدينة بعيدة عن المدينة التي نعيش فيها فودعناه أنا وابني الأصغر وأضيفت إلى حياتنا اتصالاتنا التليفونية به ومراسلاتنا معه وهدايانا إليه في المناسبات وانتظار إجازته بفارغ الصبر ، ثم حدث مؤخرًا ما زلزل كياني يا سيدي لأول مرة برغم ما واجهته من تقلبات الحياة في الغربة طوال هذه السنين فقد جاء دور ابني الأصغر للحاق بأخيه الأكبر في جامعته البعيدة وأعددت له كل شيء يحتاج إليه في حياته الجديدة ، وتمالكت نفسي وأنا أحتضنه وأقبله وأودعه عن الباب وما إن غادرني في طريقه إلى جامعته ومستقبله حتى انهرت لأول مرة منذ طلاقي وانخرطت في بكاء مرير طويل وعشرات الأسئلة تطوف بذهني عن حياتي وطفولتي وزواجي وإخلاصي لزوجي ووحدتي بعد الانفصال والتزامي الخلقي طوال هذه السنين ، ولم أشعر بمرارة الوحدة ولا بقسوة الغربة بعد انفصالي عن زوجي طوال هذه السنوات التي غادرني فيها ابني الأصغر.

 


 

 

ولكاتبة هذه الرسالة أقول :

 

للأديب الأيرلندي العظيم برنارد شو كلمة حكيمة يقول فيها إن سر الإحساس بالتعاسة هو أن يتوافر لديك الوقت لتتساءل فيه هل أنا شقي .. أم سعيد ؟

وهذا صحيح إلى حد كبير يا سيدتي فالطبيعة ضد الفراغ وإذا خلا العقل مما يشغله من شئون الحياة اليومية والعمل والأبناء تسللت إليه الهموم والأفكار الحزينة وراجع الإنسان حياته وانتهى إلى أنه إنسان تعيس ووحيد ومحروم من الأمان والسعادة !

ومن هنا تأتي دائمًا أهمية أن ينشغل الإنسان دائمًا بهدف يسعى إليه .. ويعمل ويشغل أوقاته وخاطره .. وبخطوة يرغب في إتمامها لكيلا يتوافر له الوقت الذي يتساءل فيه عن سعادته أو شقائه .

وأنت يا سيدتي قد خلت حياتك بعد رحيل ولديك إلى جامعتهما البعيدة من الانشغال بشئونهما الصغيرة .. وحكاياتهما العديدة .. وضجيجهما الممتع وأصدقائهما الظرفاء فافتقدت الحماية النفسية ضد الوحدة والإحساس بالاغتراب التي كان يمثلها لك قرب ولديك منك ، فتوافر لديك الوقت لمراجعة حياتك وراحت عشرات الأسئلة تتخاطف داخلك عما شهدت حياتك من أحداث  وما اتخذت من مواقف ولربما راجعت هذه المواقف الآن بعد أن هدأت الانفعالات والخواطر وتساءلت .. ألم يكن من الأفضل والأبعد نظرًا أن تكوني قد اعتصمت في بعض المواقف السابقة بروح التسامح والاستعداد لتقبل توبة التائبين أو التسليم ببعض صور الضعف البشري والتجاوز عنه ؟ وألم يكن من الأوفق أن تقبلي توبة زوجك وندمه ومحاولاته المستميتة للتكفير عن خطئه في حقك واستعادتك قبل الانفصال وبعده ؟

 

إنني لا ألومك على ما اتخذته من مواقف متشددة في حياتك فكل إنسان أدرى بما تقبل به طبيعته وما لا تقبل به وليس كل الناس قادرين على التعايش مع بعض نواقص الحياة لكن المأساة هي أن الإنسان في فتوته وفي شبابه يكون أكثر قدرة على اتخاذ المواقف الصارمة وتحمل تبعاتها بشجاعة ومواجهة الحياة وحيدًا على إثرها ، وقد تغريه قوته النفسية آنذاك بألا يقبل التنازل قيد أنملة عن تصوراته للحياة المثلى كما يريدها لنفسه فيتخذ من المواقف ما يراه صحيحًا ولا يستطيع التنازل عنه .. وقد تكون هذه المواقف صحيحة فعلاً بل ومثالية أيضًا لكن قسوة الحياة وتعقدها وتشابك العلاقات الإنسانية وتأثر الآخرين الأعزاء على وجه الخصوص بما نتخذه نحن من هذه المواقف المبدئية الصحيحة يقنعنا بالتجربة بأن الحياة إنما تتطلب من المرء قدرًا أكبر من المرونة والتسامح معها ومع أخطاء الآخرين في حقنا وإلا حكمنا على أنفسنا بالوحدة والاغتراب النفسي وسط زحام الجميع والمبدأ الشرعي الذي يقول إن دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة ، مبدأ حكيم يهدينا إلى أن نضع هدف دفع الضرر عن أعزائنا في الحسبان ونحن نتخذ في حياتنا ما نراه صائبًا من مواقف وقرارات فحتى الموقف الصحيح الذي قد تؤدي المغالاة فيه والتزمت في التمسك به بلا مرونة وبلا أي استعداد للصفح والمغفرة ومنح الآخرين فرصة عادلة للإصلاح والبدء من جديد .. قد يؤدي كل ذلك إلى إلحاق الضرر بمن يهمنا أمرهم .. وبنا نحن أنفسنا في النهاية .. ولست – مرة أخرى – ألومك على ما اتخذت من مواقف صارمة لا تقبل المهادنة مع زوجك السابق ، لكني قد أردت فقط أن أضيف إلى ما أردت أنت أن نستفيد به من دروس تجربتك هذا الدرس الآخر الذي لا يقل أهمية عن دروس رسالتك وهو أن المواقف الصارمة المتحجرة حتى ولو كانت صحيحة ومبدئية فإنها قد لا تكون في بعض الأحيان هي المواقف  الحكيمة التي تكفل للإنسان وأعزائه سعادتهم .. أو تدفع عنهم الضرر الأكبر .. وهو في حالتك الوحدة .. والإحساس المرير بالغربة .. ناهيك عن افتقاد ابنيك لدور أبيهما في حياتهما . أما التحذير الذي تنبهين إليه الجميع من عدم الانقياد لغرائزهم وشهواتهم العابرة التي لا تستحق أبدًا أن تنهدم بسببها الأسر الآمنة ويتشتت الأبناء فإني أؤكد عيه معك بلا تحفظ فالإنسان يا سيدتي تتنازعه دائمًا قوتان تدفعه إحداهما إلى النزوع لإشباع دواعي الفطرة والغريزة فيه دون توقف أمام روادع القيم والدين وحقوق الآخرين والخوف من العقاب .. إلخ .. وتدفعه القوة الأخرى المتمثلة في هذه الروادع نفسها إلى كبح جماح فطرته ورغباته بما كان يسميه أستاذنا المرحوم الدكتور زكي نجيب محمود "بالشكائم التي تشكم جموح النفس البشرية .. والكوابح التي تكبح رغباتها الجنونية" .

 

أما الجائزة التي ينالها من يحرمون أنفسهم من هذه المتع واللذات غير المشروعة بأنواعها فهي الثقة التي يهبها لهم  الآخرون بلا تحفظ وفي الارتفاع فوق الريب والظنون ولقد عبرت أنت عن ذلك بصدق حين تحدثت عن عجزك عن استعادة ثقتك في زوجك بعد الخيانة فأصبحت تتشككين في كل حركاته وسكناته حتى ولو كانت بريئة .. وأحسبها كانت كذلك لكن الثقة كائن شديد الحساسية إذا خُدش مرة فإن جرحه لا يلتئم بسهولة ويحتاج إلى وقت طويل وتجارب متكررة لكي يستعيد عافيته ومصداقيته لدى الآخرين .. فلماذا نفسد على أنفسنا براءة المشاعر بالخطايا التافهة ولماذا لا نستمتع بعافيتها وبجمالها بغير أن تخدشها الخدوش والجروح الغائرة ؟

لقد فهمت من إغفالك الإشارة إلى زوجك بعد الانفصال أنه بعد أن يئس من استرجاعك ونيل صفحك قد تزوج وربما يكون قد أنجب أيضًا وأصبحت له حياة أخرى مستقرة .. ولولا ذلك لنصحتك بالتماس الطريق للعودة إليه بعد أن تكفل الزمن بمداواة كل الجراح لأنه أحق بك وبولديه من أي إنسان آخر .. أما وقد تجاهلت الإشارة إليه ، فإن ذلك يرجح عندي احتمال ارتباطه بزوجة أخرى وحياة جديدة . وعلى هذا فلسوف أكتب لك بما أتلقاه من عروض ملائمة لك ، وأجذب نظر الراغبين مقدمًا إلى أنهم إنما يتقدمون إلى من لا تغفر الخيانة .. ولا تتسامح معها .. ولا تقبل حتى الندم عليها والتكفير عنها .. فمن يرى في نفسه الصلاحية فليتقدم مشكورًا .. وقد أعذر من أنذر !

 

 نشرت عام 2002 في باب بريد الجمعة بجريدة الأهرام

راجعها وأعدها للنشر/ نيفين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات