وقت الزوجة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1994

 

وقت الزوجة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1994

وقت الزوجة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1994

 

أريد أن أعرض عليك مشكلتي لتساعدني فيها بالرأي السليم .

أنا طبيبة تزوجت طبيبا زميلا لي وعملنا معا في القاهرة خمس سنوات أنجبنا خلالها ثلاثة أبناء وكنت طوال هذه السنوات أعطيه مرتبي كاملا أول الشهر ونواجه معا مطالب الحياة ثم سافرنا للعمل معا في إحدى الدول العربية , فأصر أيضا على أن أعطيه مرتبي كاملا وهو بالآلاف أول الشهر ولا يعطيني منه سوى مصروف يد فقط.

وحاولت مناقشته في ذلك لكنه أصر على موقفه مبررا ذلك بأن وقتي كله كما يقول ملك له وأي دخل أحققه من عمل أقوم به يعتبر حقا له , مع أنني أقوم إلى جانب عملي بكل الأعباء المنزلية وحدي وأقوم كذلك بمراجعة دروس أبنائي كل مساء , لأنه كما يقول لي لا يحب التدريس , ومع أنه أيضا يتقاضى مرتبا كبيرا كمرتبي .. وقد قدمت استقالتي من عملي في مصر قبل سفري إلى الخارج ولم تعد لي وظيفة فيها أرجع إليها وتؤمن مستقبلي , فخبرني بالله عليك هل صحيح أن وقت الزوجة كله ملك زوجها وأن ما تكسبه من أي عمل حق له لهذا السبب , مع العلم بأنه تزوجني وهو يعلم بأني أعمل ولم يعترض على ذلك .. أوليس من حقي أن أدخر جزءا من مرتبي الكبير لنفسي وللزمن ؟

جميع الحقوق محفوظة لمدونة "من الأدب الإنساني لعبد الوهاب مطاوع"

abdelwahabmetawe.blogspot.com

 

ولــكـــاتـــبة هـــذه الـــرســـالة أقـــول:

 

وقت الزوجة ملك لزوجها وأولادها ونفسها بالعدل والإنصاف .. أما مرتب الزوجة وبإجماع المذاهب الأربعة فهو لها وحدها , ولها أن تتصرف فيه كيف تشاء , لكن الأفضل دائما والأقرب لروح التعاون والمسئولية المشتركة هو أن تساهم بجزء منه تطوعا وبإرادتها في أعباء حياة الأسرة تأليفا للقلوب وتوثيقا لروابط المحبة والتعاون بين الزوجين , ويتحدد هذا الجزء حسب ظروف الزوج المادية واحتياجات الأسرة .

أما أن تعمل الزوجة "ويصادر" الزوج مرتبها رغما عنها بحجة أنها قد كسبته على حساب وقته الذي يملكه فهو منطق عجيب مخالف لإجماع المذاهب الأربعة ولكل منطق .. فالمرأة في الإسلام وقبل أن تعرف ذلك بعض الدول المتقدمة في أوروبا وأمريكا حتى الآن لها الحق المطلق في مالها سواء كان لديها قبل الزواج أو كسبته بعده من عمل أو وظيفة مادام زوجها قد أذن لها بأن تعمل ولم يعترض على عملها .

ولفضيلة الشيخ محمد الغزالي رأي جميل في ذلك إذ يقول "أن المرأة تحصل على أجرها مقابل عملها هي وليس عمل زوجها أو أحد غيره وبالتالي فهى أحق به , لأن الإنسان أولى بما كسبت يداه" وإن كان ذلك لا يمنع في رأيه أيضا أن تساهم الزوجة تطوعا ببعض أجرها في أعباء حياة أسرتها توثيقا لعرى التعاون والمحبة بين الزوجين , بل ويفضل ذلك تحقيقا لنفس الهدف .

وهذا أيضا هو حكم مال الزوجة الموروث ومرتبها في المذاهب الأربعة ولم يخرج عنه في جزئية بسيطة إلا بعض فقهاء المالكية الذين يرون أن للزوجة حق التصرف في ثلث مالها ولزوجها أن يشاركها الرأي والمشورة في التصرف في الثلثين الباقيين، مع مراعاة أن دور الزوج هنا هو الرأي والمشورة في التصرف في الثلثين أو استثمارهما باعتباره أكثر دراية بالشئون المالية منها ولا يعطي له ذلك حق الإستيلاء عليها !

فمن أين جاء زوجك بهذا "الحكم" العجيب ؟

نعم من الأفضل دائما أن تساهم الزوجة مع زوجها في تحمل أعباء الحياة  برغبتها وإرادتها إذ ليس مما يوثق روابط الحب والعشرة والمشاركة أن تلمس الزوجة احتياج أبنائها وزوجها إلى مالها ثم تبخل به عليهم ولو انفقته كله إذا كان الزوج غير قادر وحده على تلبيه احتياجات الأسرة والأبناء لكن أن تعمل الزوجة و"يقبض" الزوج ليثري ويؤمن حياته ويزيد مدخراته وحده .. فهذا شئ آخر لا علاقة له بالمشاركة ولا بتوثيق الروابط !

وهبي أن وقتك كله كزوجة لزوجك .. فهل يبرر له ذلك الاستيلاء على كل مرتبك الكبير؟

إنك تعملين 7 ساعات كل يوم على الأكثر لمدة 6 أيام أسبوعيا أي متوسط 6 ساعات يوميا في الأسبوع .. ويوم الزوجة كيوم الزوج تماما مكون من 24 ساعة وليس من 6 ساعات ! وبالتالي فإن فترة العمل لا تمثل في اليوم سوى الربع .. ولو حسبنا الإجازة السنوية والعطلات الرسمية والأعياد لانخفضت لأقل من الربع , فبهذا المنطق الفريد فإنه لا يحق لزوجك الاستيلاء إلا على ربع المرتب وليس عليه كله , فكيف "حسبها" زوجك هكذا وأي آلة حاسبة عجيبة اخترعها ليؤدي بها عمليته الحسابية هذه ؟

نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" فبراير 1994

كتابة النص من مصدره / بسنت محمود

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي

 

Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات