أبواب الجحيم .. رسالة من بريد الجمعة سنة 2000

 أبواب الجحيم .. رسالة من بريد الجمعة سنة 2000

أبواب الجحيم .. رسالة من بريد الجمعة سنة 2000

 
الشخصية السيكوباتية شخصية منحرفة تطلب متعتها العارضة من أي سبيل ودون الوقوف أمام أية اعتبارات دينية أو أخلاقية أو اجتماعية‏,‏ وهي شخصية تبحث عن الإثارة اللحظية والنشوة الفورية‏..‏ ومن سمات الشخصية السيكوباتية إدمان الكذب وإهدار حقوق الآخرين وكسر القوانين و الأعراف السائدة وخيانة أقرب الناس إليها والتعثر في الدراسة غالبا‏..‏ وتعدد العلاقات غير المشروعة في حياتها‏,‏ ومعاودة ارتكاب نفس الأخطاء بلا أدني ندم علي التجارب السابقة‏..‏ ولا أدني تبصر لعواقبها عليه وعلي من ترتبط به حياتهم‏,‏ لأنها شخصية لا ترد نفسها عن رغبة وتعجز عن التحكم في اندفاعاتها أو نزعاتها شبه القهرية‏.‏
ولأنها شخصية شبه وثنية فلا أثر تقريبا للقيم الدينية والأخلاقية عليها وليس هناك حدود لما يمكن أن تقدم عليه من أفعال وتصرفات‏.‏

عبد الوهاب مطاوع


أشعر بحرج شديد وأنا أكتب لك هذه الرسالة‏,‏ لكني أحتاج بشدة إلى مشورتك في أمر لا أستطيع أن أستشير فيه من هم حولي من الأهل والأصدقاء‏..‏ فأنا رجل تخطيت الستين من العمر ببضع سنوات‏..‏ وأعمل عملا مهنيا خاصا يوفر لي مستوي كريما من الحياة‏..‏ وقد بدأت رحلتي في الحياة العملية عقب تخرجي في كلية مرموقة‏..‏ فعملت خارج مصر بضع سنوات‏,‏ وراسلت خلال عملي إحدى الجامعات الغربية للدراسة بها‏..‏ وسافرت إليها للحصول على الدبلوما وحصلت عليها في زمن قياسي‏,‏ وخلال وجودي في تلك الدولة الغربية تعرفت علي فتاة عربية تعيش مع أسرتها هناك‏,‏ وشعرت بالانجذاب إليها‏..‏ فتقدمت للارتباط بها بالرغم من الفوارق الاجتماعية والثقافية بيننا‏,‏ إذ كانت من أسرة بسيطة اجتماعيا‏,‏ ولم تحصل على أي شهادة‏..‏ لكني سعدت بها وآليت على نفسي أن أعلمها كيف تتكلم‏..‏ وكيف تتصرف في المجتمعات الراقية‏..‏ إلخ‏.‏


وكانت تستجيب لإرشاداتي لها وتلتقط خبرة التعامل والتصرف سريعا‏,‏ ورجعت إلى بلدي‏..‏ واستقررت به لفترة‏.. ثم رحلت إلى دولة خليجية للعمل هناك في مجال حر وأمضيت عامين حققت خلالهما قدرا لا بأس به من النجاح‏..‏ وعدت إلى مصر وبدأت نشاطي المهني في بلدي‏..‏ واستقرت بي الحياة فيها‏..‏ وأنجبت من زوجتي هذه ولدين تقدما في مراحل التعليم‏..‏ وحققت في عملي نجاحا كبيرا‏,‏ وانتقلت بأسرتي إلى شقة فاخرة‏..‏ واشتريت شقة جميلة في المصيف‏,‏ واكتملت لي ولزوجتي كل أسباب السعادة‏..‏ ورضيت عن حياتي معها فهي دائما لطيفة وجذابة ومجاملة‏..‏ وملبية لكل احتياجاتي‏,‏ وتشبعني عاطفيا وحسيا‏,‏ وأنا لا أبخل عليها بشئ وأوفر لها كل أسباب الحياة المريحة‏..‏ واصطحبها في الصيف في رحلاتي الخارجية إلى أوروبا‏..‏ وأقدمها للمجتمعات الراقية‏..‏ وأزور معها بيوت الأهل والأخوة والأصدقاء فتستقبل منهم بحفاوة شديدة وتحقق لديهم رصيدا فوريا من الحب والإعجاب برقتها وخفة ظلها وروحها المجاملة للجميع بلا استثناء‏,‏ كما أغدقت عليها بالمال والهدايا والملابس الفاخرة‏..‏ إلى حد أنني كنت أشعر أحيانا بالحرج من ارتدائها للفرو الثمين الذي لا تملك مثله شقيقاتي‏,‏ وبصفة عامة‏,‏ فلقد كانت الحياة معها سعيدة وجميلة‏..‏ ولا وجه للشكوى منها‏..‏ اللهم إلا في بعض المرات التي لاحظت عليها فيها بعض التصرفات غير اللائقة‏,‏ فكنت أعاتبها فيها‏,‏ فتدافع عن نفسها وتنكرها في البداية ثم لا تلبث تحت الضغط عليها أن تقر بها وتعتذر عنها وتعدني بعدم تكرارها‏,‏ كميلها للتبسط الزائد على الحد أحيانا مع بعض أصدقائي‏,‏ أو خروجها وحدها خلال سفري في أعمالي وتأخرها عن العودة للبيت إلخ‏..‏ أو لجوئها للكذب في مواقف كثيرة تجنبا للومي وعتابي إلخ‏.

 

‏ وكنت أعزي هذه التصرفات الصبيانية إلى نشأتها في الغربة في وسط عائلي واجتماعي بسيط وأتجاوز عنها بعد اعتذاراتها عنها وملاطفتها لي لكي أصفح عما حدث‏,‏ ونواصل حياتنا بسلام‏..‏
ثم تكررت هذه التصرفات الصبيانية في السنوات الأخيرة وكثرت وبدأت أشعر بالقلق تجاهها‏..‏ وأحاول طمأنة نفسي بأن الولدين قد كبرا ودخلا دور الشباب‏,‏ ولابد أن تحترم أمهما وجودهما في حياتها‏,‏ وتكف عن مثل هذه الصغائر إلى أن جاء الصيف وسافرت بأسرتي إلى المصيف وأمضيت معها بضعة أيام من السعادة الخالصة‏,‏ ثم تركت الأسرة في المصيف لقضاء شهري يوليو وأغسطس ورجعت إلى القاهرة لممارسة عملي‏..‏ فلم تمض سوى أيام وفوجئت بابني الشابين يأتيان إلي في القاهرة بمفردهما مضطربين وشاحبي الوجه وينفردان بي بالمسكن ثم يرويان لي وهما يرتجفان أنهما قد تأكدا بالملاحظة والمراقبة أن أمهما تتردد خلسة على مسكن جار أعزب لنا في عمارة المصيف‏,‏ وإنهما حاولا أن يكذبا عينيهما دون طائل‏,‏ بعد أن راقباها أكثر من مرة‏..‏ ولاحظا عليها كثرة المكالمات التليفونية المريبة‏..‏ والهمس المتكرر بينها وبين شغالة الأسرة‏,‏ التي تجمعها بها صداقة غريبة تثير التساؤلات‏,‏ فلم يجدا ما يفعلانه بعد أن ضاقت بهما السبل سوى تركها في المصيف ووضع الأمر بين يدي‏..‏ وصعقت لما سمعته من الابنين‏..‏ وشعرت بالدم ينسحب من عروقي‏..‏ لكني حاولت على الرغم من ذلك أن أهدئ من روعهما بقدر الإمكان وطلبت منهما البقاء في القاهرة‏,‏ ثم نهضت وارتديت ملابسي وركبت السيارة إلى المصيف‏,‏ وبلغته في العاشرة مساء ودخلت شقتنا فلم أجد لزوجتي أثرا‏..‏ وسألت عنها الشغالة فارتبكت ولم تحر جوابا فصعدت للدور العلوي الذي تسكن به أسرة صديقة لنا عسى أن تكون في زيارتها‏,‏ فقابلني رب الأسرة وأبلغني أن زوجته وأبناءه في القاهرة منذ أيام وهو يقيم بالمسكن وحيدا ولم تأت زوجتي إليه بالطبع لعدم وجود زوجته‏.‏ فلم يبق سوى الشقة الأخرى في الدور الأعلى التي يقيم فيها ذلك الجار وحيدا‏,‏ وفكرت في أن أطرق عليه الباب وأسأله عن زوجتي‏,‏ لكني تراجعت عن ذلك على أمل أن تكون في مكان آخر فأوفر على نفسي الموقف الحرج والفضيحة المدوية‏..

 

 ورجعت إلى شقتي فأخرجت مقعدا وجلست أمام بابها أنتظر لأرى هل ستأتي من أسفل فتكون خارج العمارة كلها‏,‏ أم ستهبط من أعلى فتصدق الظنون ويتأكد الاتهام‏..‏ ومضت الساعات ثقيلة إلى أن سمعت صوت خطوات تقترب في الثانية والنصف صباحا وتعلق أملي اليائس بأن تكون قادمة من أسفل‏..‏ فإذا بالزوجة المصون أم الشابين اللذين يدرسان بالجامعة تهبط من أعلى وتراني في موضعي فتصاب بالذهول للحظات‏..‏ ثم تحاول تمالك نفسها على الفور‏..‏ وتفتعل المرح والدهشة لعودتي غير المتوقعة‏..‏ وأمسك بيدها وأسحبها إلى داخل الشقة وأسألها‏:‏ أين كانت حتى هذا الوقت المتأخر من الليل؟‏..‏ فتجيب في غير اضطراب أنها كانت في زيارة الأسرة التي تسكن فوقنا‏..‏ وكيف أن ربة هذه الأسرة قد تمسكت بها طوال السهرة لكي تسليها في غياب زوجها‏!!‏


ولم أتمالك نفسي حين سمعت ذلك وانهلت عليها ضربا وركلا‏,‏ وطلع علينا النهار ونحن على هذه الحال‏,‏ ووصل الابنان من القاهرة فظللت ثلاثة أيام عصيبة استجوبها عما حدث واسترجع كل العلامات المريبة التي كنت ألاحظها في السنوات السابقة وآخذها لسوء الحظ على محمل سليم‏ .. وصعدنا أنا وأبنائي إلى مسكن ذلك الجار الأعزب‏.‏ وأوجعناه ضربا‏..‏ فلم يجرؤ على أن يشكونا إلى الشرطة‏.‏
وانتهي الاستجواب بأن اعترفت بأنها كانت بالفعل في مسكن هذا الجار لكن شيئا لم يحدث بينهما‏,‏ وإنما جلسا في الشرفة يتبادلان الأحاديث البريئة حتى ذلك الوقت المتأخر‏!!‏
وحزمت أمري فاتصلت بأسرتها في المهجر البعيد وطلبت منها إرسال تذكرة السفر لابنتهم لأنني سأعيدها لهم‏,‏ ولن أدفع لها حتى ثمن التذكرة‏,‏ وفوجئت بها تقول لي في بساطة‏:‏ ولماذا أطلب منها السفر وقد اعترفت بخطئها وانتهى الأمر؟‏!..‏ وأجبتها لما ينبغي لمثلها أن تعرفه وهو أنها أم غير أمينة على شرف زوجها وأبنائها وأن وجودها خطر على معنويات هؤلاء الأبناء وأخلاقياتهم‏.‏
وسافرت إلى أهلها وهي تأمل في العودة في أقرب وقت بعد هدوء العاصفة‏,‏ وراح ابني الأكبر وهو شاب مستقيم وعاقل يستجوب الشغالة عن كل ما رابه من أمر أمه وأمرها معها خلال السنوات الماضية‏,‏ فإذا بها تفتح علينا أبواب الجحيم‏..‏ وتكشف لنا عن أهوال تقشعر لها الأبدان‏,‏ فتروي عنها العديد من المغامرات التي كانت طرفا فيها أو أطلعتها عليها سيدتها أو طلبت مساعدتها في التستر عليه‏,‏ وإذا بي اكتشف أن السيدة التي أغدقت عليها الحب والعطاء ورفعتها إلى مستوى اجتماعي لم تكن تحلم به كانت طوال سنوات ماضية تعبث بشرفي‏..‏ وتخوض مغامرات حقيرة لا تفرق فيها بين شاب في الثامنة والعشرين من عمره وبين رجل مسن فوق السبعين من عمره‏,‏ وإذا بهذه الشغالة اللعينة تعترف بعلمها بثماني علاقات لزوجتي المصون مع رجال مختلفين في القاهرة والإسكندرية‏,‏ بعضهم تعرفت عليهم خلال رحلة السيارة ومعها الشغالة إلى المصيف‏,‏ وتبادلت معهم  أرقام التليفونات‏.‏


وانهرت رغم محاولتي التماسك أمام أبنائي‏..‏ ووجدت التفسير لبعض الأحداث المحيرة خلال رحلة حياتي مع هذه السيدة‏,‏ وتذكرت يوم التقيت بصديق حميم لي في محل عام ومعي زوجتي‏..‏ وكيف لاحظت بعد قليل اضطرابه وعلامات الدهشة والاستنكار تعلو وجهه وهو ينظر في اتجاه زوجتي‏..‏ وكيف شككت وقتها في أنها كانت تشير إليه من وراء ظهري أو تغمز له بعينها‏,‏ ولم أجد دليلا على ذلك خاصة أن هذا الصديق قد قاطعنا عائليا بعدها ولم يعد يظهر في مناسباتنا‏.‏
كما تذكرت أيضا كيف كنت أجلس مع صديق آخر وكل منا معه زوجته نتناول طعام العشاء‏,‏ فإذا بهذا الصديق بعد قليل يصيح في زوجته طالبا منها الكف عن ركل ساقه أسفل المائدة‏,‏ وإذا بزوجته تنفي بشدة أنها فعلت ذلك‏!.‏
وتذكرت‏..‏ وتذكرت‏..‏ وتذكرت‏..‏ وعجبت كيف رضيت لي هذه السيدة بكل هذا الهوان‏,‏ وأنا الذي أخلصت لها الحب وأجزلت لها العطاء وأحسنت معاملتها على مر السنين‏..‏ ماذا كان ينقصها‏..‏ وقد كانت ملبية دائما لندائي وتبدو سعيدة بحياتها معي ومبتهجة دائما‏..‏ وتكره النكد ولا تكف عن الضحك وإثارة المرح في حياتنا‏..


لقد طلقتها وأنا حزين على نفسي‏..‏ وأتساءل كيف تخفي السعادة وراءها كل هذا الجحيم‏.‏
وفوجئت عقب طلاقي لها بلوم الأهل وكثيرين من المعارف لي على طلاقها‏,‏ وقد كانت كما بدت لهم دائما السيدة الودود المحبة لزوجها وأبنائها والمجاملة لأهله ومعارفه‏..‏ واللطيفة  دوما مع الجميع‏.‏
وعقلت لساني في فمي‏..‏ فلم أجب علي هذه التساؤلات المستنكرة‏..‏ وكيف لي أن أجيب عليها‏..‏ هل أقول لمن يلومني إنني قد اكتشفت لزوجتي السابقة علاقات شائنة بـ ‏8‏ رجال هم من اعترفت عليهم شغالتها المخلصة وكاتمة أسرارها‏..‏ وإن الله وحده هو الذي يعلم عدد الآخرين خلال‏24‏ سنة من الزواج؟
هل أقول لهم أنها كانت تغازل أصدقائي وأنا أجلس إلى جوارها‏..‏
وترجع للوراء لكي تغمز لهم بعينها‏..‏ أو تمد ساقها لتركل بها ساق من ترغب في مناوشته أسفل المائدة‏.‏
هل أقول لهم إنني اصطحبتها معي في رحلة إلى إحدى المدن الأوروبية وأقمنا في فندق صغير فشككت في أنها تغازل موظف الاستقبال الذي لا يزيد عمره على ‏18‏ عاما‏..‏ وأنا واقف معها أمامه‏,‏ وأنه كان يبادلها الإشارات المختلسة؟‏!‏
لقد طويت صدري على همي وأملت في أن تندمل جراحي مع الأيام‏,‏ وكان أكثر ما يثير حيرتي هو‏:‏ كيف تنطوي مثل هذه الشخصية على هذا التناقض العجيب بين لطفها معي وحرصها علي إرضائي كزوج عبثها بشرفي وامتهانها لكرامتي في الوقت نفسه لقد مضي الآن عامان على هذه الكارثة وما برئت بعد من كل الجراح‏,‏ واعترف لك بأنني قد شعرت بفراغ هائل في حياتي بعد رحيلها لولا أنني احتضنت ابني والتمست لديهما العزاء والتعويض عما لقيته من هذه السيدة‏,‏ وهما يرفضانها رفضا قاطعا ونهائيا ويزجرانها حين تتصل بهما تليفونيا ويطلبان منها عدم معاودة الاتصال ولا  يستجيبان لمحاولاتها لاستعطافهما لكي ترجع إليهما أو تراهما‏..‏ ويذكرانها كل مرة بما فعلت بهم وبكرامتهم وسمعتهما ووضعهما أمام أصدقائهما وزملائهما‏.‏


وبالرغم من كل ذلك فإنها لم تيأس بعد‏.‏ ومازالت تتصل بنا وتلح‏,‏ وفي كل مرة أنبهها إلى عدم معاودة الاتصال‏,‏ وأبصر أبني بما تمثله من خطر علي حياتهما وسمعتهما ومستقبلهما وصورتهما أمام أصهارهما في المستقبل حين يرتبطان بشريكتي الحياة‏..‏ إذا ظهرت أمامهما بمظهرها العابث اللاهي‏,‏ وواصلت عبثها ومغامراتها في المحيط العائلي‏,‏ وهما يتفقان معي في ذلك‏,‏ ويغاليان في التمسك برفضها‏,‏ غير أن ابني الأصغر وهو شاب متدين يؤرقه ضميره الديني بشأن مسألة رفض الأم وقطع كل صلة بها‏..‏ ويسألني ألا يدخل ذلك في باب قطع الرحم الذي نهانا عنه الله‏..‏ وهو أكثر إصرارا من شقيقه علي رفض أمه‏,‏ لكنه يتساءل ألا من صيغة لا تعرض الأبناء لغضب ربهم عليهم‏..‏ وتحميهم في نفس الوقت من وجود مثل هذه الأم في حياتهم؟
لقد اتفقنا على أن نستشيرك في ذلك‏.‏
أما بالنسبة لي أنا شخصيا‏..‏ فإن أبني يملآن حياتي الآن وأشعر بالرضا عن كل شئ في الدنيا وأنا معها‏..‏ ولكن ماذا عن المستقبل حين يستقلان بحياتهما عني‏..‏ وتخلو الحياة علي وحدي وماذا تقول لنا؟


ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏

زوجتك السابقة يا سيدي شخصية مريضة بانحراف نفسي خطير يجعل منها بالفعل خطرا داهما على معنويات أبنائها وأخلاقياتهم‏..‏ فهي ليست مجرد زوجة ضعفت عاطفيا ذات  مرة أمام أحد الرجال فتناست واجباتها تجاه زوجها وأبنائها وانساقت وراء أهوائها فطلبت الطلاق من زوجها لتتزوج ممن أحبت آملة أن يتجاوز أبناؤها الشباب الصدمة بعد حين‏,‏ وتستعيد علاقتها الأمومية معهم‏,‏ وإنما هي شخصية سيكوباتية منحرفة تطلب متعتها العارضة من أي سبيل ودون الوقوف أمام أية اعتبارات دينية أو أخلاقية أو اجتماعية‏,‏ والشخصية السيكوباتية شخصية تبحث عن الإثارة اللحظية والنشوة الفورية‏..‏ وقد تتمثل هذه النشوة لديها كما حدث مع زوجتك السابقة في مجرد التلذذ بالشعور بإحساس المغامرة والمخاطرة والخوف من انكشاف أمرها وهي تغمز لرجل غريب يجالس زوجها‏..‏ أو وهي تدعوه لمغازلتها بركل ساقه خفية من تحت المائدة.

 

 ومن سمات هذه الشخصية إدمان الكذب وإهدار حقوق الآخرين وكسر القوانين والأعراف السائدة وخيانة أقرب الناس إليها والتعثر في الدراسة غالبا‏..‏ وتعدد العلاقات غير المشروعة في حياتها‏,‏ ومعاودة ارتكاب نفس الأخطاء بلا أدني ندم على التجارب السابقة‏..‏ ولا أدنى تبصر لعواقبها عليه وعلى من ترتبط به حياتهم‏,‏ لأنها شخصية لا ترد نفسها عن رغبة وتعجز عن التحكم في اندفاعاتها أو نزعاتها شبه القهرية‏.‏
ولأنها شخصية شبه وثنية فلا أثر تقريبا للقيم الدينية والأخلاقية عليها وليس هناك حدود لما يمكن أن تقدم عليه من أفعال وتصرفات‏.‏
ولا شك في أنك قد تأخرت كثيرا في اكتشاف انحرافها الخطير هذا والاكتشاف المتأخر للمرض يضعف الأمل في الشفاء إذا كان ثمة شفاء لمثل هذه الحالة‏..‏ إذ لا يشعر المنحرف فيها بالندم غالبا علي ما يفعل وان شعر به في  بعض الأحيان فلفترة مؤقتة ثم يستجيب بعدها لنوازعه ورغباته من جديد‏,‏ وقد يكون ندمه في أحيان أخرى علي انكشاف أمره وليس علي ما ارتكب من خطايا وأخطاء أدت به إلي هذا الوضع‏..‏ فكأن ندمه في هذه الحالة هو ندم مهني علي عدم إجادة الصنعة بحيث لا تنكشف الأخطاء وليس علي اختيار الطريق الخاطيء أصلا في الحياة‏.‏
فأما التناقض الذي تتعجب له بين عبث هذه السيدة بشرفك وبين إسعادها لك وتلبيتها لندائك وابتهاجها بالحياة معك طوال سنوات الرحلة‏,‏ فلأن الشخصية السيكوباتية نوعان‏:‏ نوع شرس مصادم للآخرين يكسر القوانين والأعراف بشكل ظاهر ويسميه علماء النفس بالسيكوباتي الغبي‏..‏ ونوع آخر ناعم يتوسل إلي تحقيق رغباته بالذكاء والدماثة والظاهرية‏..‏ ورقة التعامل مع الآخرين وبإجادة فن الإقناع على الرغم من كذبه الدائم ويسميه علماء النفس بالسيكوباتي المبدع‏..‏ وكلاهما شخصية مضادة للمجتمع ولا عهد لها ولا وفاء‏..‏ ولا شفاء أيضا من أدرانها إلا بالعلاج الطويل المرهق الذي لا يؤتي ثماره إلا إذا توافرت الرغبة الصادقة لدي السيكوباتي في الشفاء وهو ما لا يتحقق إلا نادرا‏.


وفي حالة زوجتك السابقة بالذات فإن من تتملكها مثل هذه الرغبة العارمة في الاستمتاع بمتع الحياة بلا سدود ولا قيود أخلاقية ودينية‏,‏ قد يفيض إناؤها الممتليء ببعض ما فيه على من حولها وقد تطلب السلام في حياتها الخاصة لكي تتجنب القيود التي تعوق انطلاقها لتحقيق رغباتها‏,‏ وتتفادى المنغصات التي تتعارض مع رغبتها في الاستمتاع بالحياة ويعينها علي تحقيق هذا الهدف إدمانها الكذب وإجادتها لفن الإقناع‏,‏ ولقد ذكرني ما رويت عن اصطفائها لخادمتها لكي  تبوح لها بأسرارها المشينة وتستعين بها على كتمانها بما قاله الأديب الأيرلندي أوسكار وايلد من أن كل امرأة تود أن يكون لها سر تتقاسمه مع من تصطفيه وتوصيه بكتمانه‏..‏ وهو قول قد يصدق علي بعض النساء والرجال‏,‏ لكنه لا يصدق بكل تأكيد على الفضيلات من النساء اللاتي لا أسرار لهن ولا خوف عليهن من انكشاف أمورهن‏.‏
وهذا ما حدث في حياتك طوال السنوات الأربع والعشرين الماضية‏,‏ التي كانت كما تقول في رسالتك من سنوات السعادة الخالصة‏!‏ ولعلها لو كانت عكس ذلك‏,‏ لأعانك هذا علي التوقف أمام التجاوزات المنذرة بالخطر التي لاحظتها عليها في مرات عديدة سابقة ولم تسمح لك هي بنعومتها وإبداعها السيكوباتي بتقديرها حق قدرها‏..‏ والتصرف في حياتك علي أساس هذا التقدير‏,‏ فضلا عن أن علماء الزيولوجيا علم الحيوان يقولون لنا ان أكثر أنواع الحيات نعومة في جلودها هي أكثرها أيضا سمية وخطرا علي حياة الغير‏!..‏ ونأتي في النهاية إلي تساؤل الابن الأصغر عن قطع الرحم وأقول له مشفقا عليه مما يعانيه من تمزق وإحساس مؤلم بجرح الكرامة كشاب اهتزت أمامه بعنف صورة الأم‏,‏ إن الله عز شأنه الذي فرض للأم حقوقها الكاملة علي أبنائها ورفعها إلي منزلتها العالية في نفوسهم وعقولهم وضمائرهم‏,‏ هو أيضا سبحانه وتعالى من فطرها في نفس الوقت على حب أبنائها والرفق بهم والحدب عليهم وطلب سعادتهم وإعلاء مصلحتهم فوق كل اعتبار لديها‏,‏ فإذا أخلت مثل هذه الأم بواجباتها الدينية والأخلاقية تجاه أبنائها وانطلقت في الحياة تطلب متعها من أي مورد كما يفعل الوثنيون الذين لم يعرفوا دينا ولم تصلهم رسالة سماوية‏,‏ فلقد خرجت إذن عن  فطرتها التي فطرها الله عليها وأنزلت هذه الأم نفسها بيدها عن عرشها ورضيت بما تدهورت إليه من الدرك الأسفل‏..‏ ولا يحق لها كثيرا أن تتباكي علي وفاء أبنائها لهم‏..‏ لأنها لم تف هي لهم من البداية بحقوقهم عليها‏.‏


وإذا كان الأمل ضعيفا بالفعل في أن تستجيب هذه السيدة لأي علاج نفسي منتظم‏,‏ لأنها كما فهمت من رسالتك ترفض الاعتراف بحاجتها إليه‏..‏ ولن تصبر علي عنائه لعام طويل علي الأقل وربما عامين‏..‏ فليكن اذن قربانها لأبنائها لكي يصفحوا عما فعلت بهم ويتعالوا علي كرامتهم الجريحة كرجال هو أن تندم ندما حقيقيا وليس مزيفا علي نهجها السابق في الحياة وأن تنتظم في العلاج النفسي حيث تقيم وتلتزم بالقيم والفضائل في حياتها الشخصية فيكون ذلك مدخلا مقبولا لأن يصلها أبناؤها ويترفقوا بها‏..‏ أما أن تصر علي مواصلة سيرتها في الحياة كما هي وتطلب من أبنائها الرفق والمرحمة‏..‏ فالرد عليها في مثل هذه الحالة هو‏:‏ ولماذا لم ترحم هي أبنائها الشباب وتحفظ عليهم كرامتهم ورجولتهم وسمعتهم ومكانتهم بين أقرانهم وهي تغوص في بحر الخطيئة بلا ندم؟


إن بعض الصوفية يقولون ان حرارة القلوب تذيب الذنوب وحرارة القلوب هنا هي الندم الصادق الحقيقي والرغبة الطاغية في التطهر من الإثم‏,‏ فلتثبت هي أولا حرارة قلبها لكي تستحق بذلك عطف أبنائها‏,‏ وليرح ابنك الأصغر ضميره مما يؤرقه في ظلم أمه هو أو شقيقه وإنما كانت هي من ظلمتهما كما ظلمتك وظلمت نفسها‏..‏ ذلك بما قدمت أيديكم وان الله ليس بظلام للعبيد‏18‏ آل عمران‏..‏ صدق الله العظيم‏..‏ ولو لم يكن سقوط اعتبار مثل هذه الأم في نظر أبنائها هو العائد الطبيعي لمثل هذا الانحراف الشائن‏,‏ فأي رادع آخر يمكن أن يردعها عن غيها مادامت لا تخشي الله واليوم الآخر؟
إنني أطالب أبناءك فقط بألا يزجروا أمهم حين تتصل بهم رعاية لحدود ربهم وليس رعاية لها وأن يجيبوا مكالماتها بتحفظ مهذب ويتمسكوا برفض مجيئها إليهم أو سفرهم إليها كما تطلب إلي أن تقدم هي ما يثبت لهم أنها قد أنكرت سيرتها السابقة في الحياة وعدلت عنها‏,‏ ولا بأس بأن يتبادلوا معها كلمات التحية المقتضبة في الأعياد والمناسبات‏,‏ بل ولا بأس أيضا في أن يعينوها على أمرها من الناحية المادية إذا كانت في حاجة لعونهم وفي أضيق الحدود قربي لربهم وإعانة لها علي إصلاح نفسها أما ظهورها في حياتهم الآن ولما تبرأ بعد من انحرافها فليس من المستحب لهما بالفعل حرصا علي معنوياتهم وأخلاقياتهم وفرصهم العادلة في السعادة والارتباط بشريكات الحياة‏.

رابط رسالة أخطاء الماضي تعقيبا على هذه الرسالة


·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 2000

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي

 


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات