النظرات القاتلة .. رسالة من بريد الجمعة عام 2000

 النظرات القاتلة .. رسالة من بريد الجمعة عام 2000

النظرات القاتلة .. رسالة من بريد الجمعة عام 2000

ما لا يدركه بعض الرجال هو أن طعنة الرجل لزوجته بخيانتها مع أخرى إنما تتضاعف فجيعتها بها حين تكون هذه الخيانة مع من كانت تتوسم فيها الصداقة والإخلاص لها‏..‏ أو كانت من أقرب الناس إليها‏..‏ إذ تشعر المرأة في هذه الحالة وكأنها قد فجعت في إخلاص طرفين توسمت في كل منهما الحب والإخلاص لها‏..‏ وليس في طرف واحد هو زوجها‏..‏ وتستشعر الرثاء مضاعفا لنفسها ولأن أملها في زوجها كان أكبر من الأمل في غيره‏..‏ فإنها تحمله عادة المسئولية الكاملة عن الخيانتين اللتين تعرضت لهما في آن واحد‏..‏ وتود لو كان قد أعفاها على الأقل من مضاعفة غدره لها بغدر أقرب الصديقات إليها‏.
عبد الوهاب مطاوع

أكتب إليك قصتي لعلها تفيد غيري‏، وتجنبهم العثرات‏، فأنا رجل في الثالثة والأربعين من العمر‏..‏ ارتبطت خلال دراستي بالجامعة بزميلة لي‏,‏ وعشت معها قصة حب عميقة‏,‏ وتعاهدنا على الزواج بمجرد التخرج‏..‏ وتخرجت وخطبتها وأديت الخدمة العسكرية‏..‏ ولا شيء يشغل تفكيري سوى فتاتي‏,‏ ثم تزوجنا وبدأنا حياتنا معا‏,‏ وعشنا قصة سعادة رائعة‏..‏ وأنجبنا طفلين جميلين‏,‏ اكتملت بهما أنشودة الحب القديم ومارست إلى جانب عملي بالوظيفة‏..‏ عملا حرا ليساعدني على تدبير احتياجات أسرتي الصغيرة .‏.‏ في حين فضلت زوجتي الحصول على إجازة بدون مرتب لرعاية أطفالنا وبيتي‏.‏

 

 ونجح عملي الحر وتوسعت فيه حتى جاءت اللحظة التي ينبغي لي الاختيار فيها بين التفرغ له أو التمزق بينه وبين الوظيفة‏,‏ فاخترت الاستقالة والتفرغ لعملي‏..‏ وشجعتني زوجتي على ذلك القرار‏.‏
وأثبتت الأيام بعد نظري ونظر زوجتي في هذا القرار‏,‏ فلقد ازدهر عملي وحقق نتائج ممتازة‏,‏ وعمل معي فيه صديق قديم متزوج‏,‏ فازداد تقاربنا العائلي‏..‏ وأصبحنا نحن الأربعة كأسرة واحدة‏,‏ نلتقي كثيرا ونتبادل الزيارات العائلية ونقضي كل أوقات فراغنا معا فبدأ التقارب بيني وبين زوجة صديقي يزداد بلا احتراس‏,‏ وكانت البداية مكالمة تليفونية بيني وبينها ليتني لم أتحدثها ثم تعددت المكالمات‏,‏ وبدأنا نستشعر خطورة الطريق الذي ننزلق إليه وأثره على حياة كل منا العائلية‏,‏ فحاولت زوجة صديقي التوقف والابتعاد‏..‏ ولم أحاول أنا ذلك للأسف بالرغم من إدراكي للهوة التي أسير إليها‏..‏ فاستمرت المكالمات والاتصالات وتبادل النظرات الخفية خلال اللقاءات العائلية‏,‏ وتمزقت مشاعري تجاه زوجتي التي مازلت أحمل لها الحب القديم‏,‏ وبين رغبتي في تلك السيدة وتمزقت بين ضعفي الذي يغريني في الاستمرار في اللعبة القذرة‏، ‏وبين إحساسي القاتل بأنني خائن لزوجتي ولصديقي ونذل شديد النذالة واضطربت أعصابي وأحوالي النفسية‏,‏ وقل تركيزي في عملي‏,‏ فلم يمض وقت طويل حتى بدأ التوفيق يتخلي عني في العمل‏..‏ وواجهت سوء حظ غريب في أكثر من عملية كان مقدرا لها النجاح مائة في المائة فباءت بالخسارة‏,‏ وأخفيت عن زوجتي اضطراب أحوال العمل إشفاقا عليها‏.‏


وحاولت قدر جهدي أن أتخفى عنها بنذالتي الشخصية معها ومع صديقي‏,‏ لكنها أحست بقلب المرأة أن هناك شيئا غير طبيعي في حياتي‏,‏ ولم تفاتحني في ذلك‏..‏ ولم تحاول استجوابي أو أن تشكو لأحد من أهلها أو أهلي إلى أن تأكدت من ظنونها وعرفت بالقصة كلها‏..‏ فآثرت على ألا تفضحني وألا تثير الزوابع حولي‏..‏ وإنما عبرت عن موقفها مما يجري بالنظرات القاتلة التي تجمع بين الازدراء‏..‏ والأسف والكبرياء‏.



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏

لست في حاجة إلى طلاق زوجتك مادامت لم ترغب فيه‏,‏ ولم تطالبك به‏..‏ ولا إلى هجرها والسفر لفترة طويلة بدعوى أن تنسى هي خلالها ما كان من أمرك‏,‏ وإنما أنت في حاجة فقط لأن تعترف لنفسك أولا بفداحة الجرم الذي ارتكبته في حقها‏..‏ وفي حق صديقك وفي حق مثاليات الحياة والأخلاقيات السليمة‏..‏ وأن تستشعر الندم الصادق عليه‏..‏ ويصح عزمك على التطهر منه والتكفير عنه‏.‏
وحين تفعل ذلك‏..‏ وتلتزم الطريق القويم في حياتك‏..‏ وتستشعر زوجتك جديتك‏..‏ ولسوف تجد أنت القدرة على
النظر في عينيها دون أن تحتاج لأن تنكس رأسك أمامها‏,‏ ولسوف تستعيد زوجتك ثقتها فيك واحترامها لك وإحساس الأمان معك‏..‏ وتسلم بما يسلم به أصحاب القلوب الحكيمة من أنه لا يلام المرء على أمر قد تاب عنه وندم عليه‏..‏ ولم يرجع إليه مرة أخرى,‏ أما قبل ذلك فإن نظراتها القاتلة هذه هي عقابها لك على جريمتك المضاعفة في حقها‏..‏ وأما أنها مضاعفة فلأنك لم تكتف بخيانة عهدك معها بالإخلاص لها حتى نهاية العمر‏..‏ وإنما نكبتها في إخلاصك لها وإخلاص الصديقة السابقة كذلك لها‏..‏ ثم مثالياتك وأخلاقياتك التي سمحت لك بخيانة صديقك والعبث مع زوجته‏.‏


وما لا يدركه بعض الرجال هو أن طعنة الرجل لزوجته بخيانتها مع أخرى إنما تتضاعف فجيعتها بها حين تكون هذه الخيانة مع من كانت تتوسم فيها الصداقة والإخلاص لها‏..‏ أو كانت من أقرب الناس إليها‏..‏ إذ تشعر المرأة في هذه الحالة وكأنها قد فجعت في إخلاص طرفين توسمت في كل منهما الحب والإخلاص لها‏..‏ وليس في طرف واحد هو زوجها‏..‏ وتستشعر الرثاء مضاعفا لنفسها ولأن أملها في زوجها كان أكبر من الأمل في غيره‏..‏ فإنها تحمله عادة المسئولية الكاملة عن الخيانتين اللتين تعرضت لهما في آن واحد‏..‏ وتود لو كان قد أعفاها على الأقل من مضاعفة غدره لها بغدر أقرب الصديقات إليها‏..‏ ناهيك عما في خيانتك لها مع زوجة أقرب الأصدقاء إليك من دلالات كريهة على مستوي قيمك الأخلاقية والدينية‏,‏ مما لا تسعد به أية زوجة أو ترضى عنه‏.‏


ولأن لكل جريمة عقابا .. فقد اختارت زوجتك أن تعاقبك على خيانتك لها وفجيعتها في مثالياتك الأخلاقية‏..‏ عقابا معنويا قد يراه البعض هينا‏..‏ ويراه ذوو الألباب أشد وطأة من الناحية المعنوية من غيره‏.‏ ذلك أنه يعكس إحساسها بسقوط اعتبار زوجها لديها بغير كلام ولا عواصف مزلزلة‏.‏ ومع ذلك فإني معجب بنبل تصرفها معك بعد اكتشافها لأمرك وترفعها عن إثارة الفضائح الشخصية حولك‏..‏ وتسترها عليك بدلا من الإساءة إليك‏,‏ وإسقاط اعتبارك في نفوس من هم حولك‏..‏ فإذا كنت تشعر بالانكسار أمامها فلأن الإنسان لا ينال الاحترام من الآخرين بالضغط أو الإكراه‏..‏ ولا بالاستجداء‏,‏ وإنما ينبع الإحساس بالاحترام ذاتيا تجاه الآخرين حين يلمس المرء التزامهم بالطريق القويم في الحياة‏,‏ وتصرفهم في حياتهم تصرفات تعكس اتزانهم النفسي والخلقي والتزامهم باحترام النفس وحقوق الغير‏..‏ والحق هو أن الطريق الخاطيء متاح للجميع‏,‏ وهو الطريق السهل الذي لا يرد فيه المرء نفسه عن إغراء أو مصلحة عابرة حتى ولو تعارضت مع حقوق الآخرين أو متعة ولو كانت محرمة‏,‏ أما الطريق الصعب فهو الطريق الذي يجاهد الإنسان فيه نفسه ويردها عن رغائبها غير المشروعة‏..‏ ويكون جزاؤه عن جهاده فيه هو الرضا عن النفس واحترام الآخرين للمرء‏..‏ والمضي في الحياة بغير مكابدة الإحساس المرير بالذنب والخوف من عقاب السماء وغدر الأيام‏,‏ وليس من حق من يختار الطريق السهل أن يأسف علي سقوط اعتباره لدي الآخرين‏,‏ ولا أن يلومهم علي ذلك‏,‏ وإنما من واجبه أن يلوم نفسه علي أن وضعها موضع اللوم والازدراء من الآخرين‏,‏ وأن يجاهد بإخلاص ليردها عن كل ما يسيء إليها‏,‏ فيكتسب تلقائيا ثقة الغير واحترامهم‏.‏


وأنت تستطيع أن تفعل كل ذلك بغير كلام‏..‏ وتستطيع أن تعبر لزوجتك بالتصرفات والأفعال عن ندمك على ما سبق منك في حقها‏..‏ وسعيك بجدية لإصلاح أحوال العمل والتفرغ له‏..‏ وصبرك عليها الي أن تأسو جراحها‏..‏ وتصفح عما كان من أمرك‏..‏ فتختفي نظراتها القاتلة تدريجيا وتحل محلها نظرة الصفح الجميل الذي قال إمام المتقين علي بن أبي طالب في تفسيره أنه الرضا بغير عتاب‏.‏
فترفع أنت رأسك في مواجهتها‏..‏ وتسقط هذه الصفحة الكريهة إلى الأبد من ذاكرتها وذاكرتك‏!

·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 2000

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات